{{مسألة طلب الدعاء من الغير}}
سئل العثيمين رحمه الله تعالى عن طلب الدعاء من الغير
فقال رحمه الله : طلب الدعاء من الغير أقسام:
القسم الأول:أن يطلب من الغير الدعاء لصالح المسلمين جميعا أي شيء عام فهذا لا بأس به، وقد دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا فأنشأ الله سحابة فانتشرت وتوسعت وأمطرت ولم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر أسبوعا كاملا وفي الجمعة الثانية دخل رجل آخر أو الأول فقال: يا رسول الله غرق المال وتهدم البناء فادع الله يمسكها عنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا وجعل يشير إلى النواحي فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت وتمايز السحاب حتى خرج الناس يمشون في الشمس .
فإذا طلبت من شخص صالح مرجو الإجابة شيئا عاما للمسلمين فهذا لا بأس به لأنك لم تسأل لنفسك مثال ذلك: لو أن رجلا جاء إليك يطلب منك الشفاعة لتغيث رجلا ملهوفا أو تقضى عنه دينه أو ترفع الظلم عن رجل ضعيف من المسلمين فإن هذا لا بأس به لأن المصلحة لغيره
القسم الثاني:أن يطلب الدعاء من الرجل الصالح من أجل أن ينتفع الرجل بهذا الدعاء ولا يهمه هو أن ينتفع لكن يحب من هذا الرجل الذي طلب منه الدعاء أن يلجأ إلى الله وان يسأل الله عز وجل وأن يعلق قلبه بالله وأن يعلم أن الله سبحانه وتعالى سميع الدعاء المهم أن يكون قصده مصلحة هذا الرجل فهذا لا بأس به أيضا لأنك لم تسأله لمحض نفعك ولكن لنفعه هو[/COLOR] فأنت تريد أن يزداد هذا الرجل الصالح خيرا بدعاء الله عز وجل وأن يتقرب إلى الله بالدعاء وأن يحصل على الأجر
القسم الثالث:أن يطلب الدعاء من الغير لمصلحة نفسه هو فهذا أجازه بعض العلماء وقال لا بأس أن تطلب من الرجل الصالح أن يدعو لك لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال لا ينبغي إذا كان قصدك مصلحة نفسك فقط لأن هذا قد يدخل في المسألة المذمومة لأن النبي صلى الله عليه وسلم بايع أصحابه ألا يسألوا الناس شيئا وكذلك لأنه ربما يعتمد هذا السائل الذي سأل غيره أن يدعو له ربما يعتمد على دعاء هذا الغير وينسى أن يدعو هو لنفسه فيقول: أنا قلت لفلان وهو رجل صالح ادع الله لي وإذا استجاب الله هذا الدعاء فهو كاف فيعتمد على غيره وكذلك لأنه ربما يلحق المسئول غرور في نفسه وأنه رجل صالح يطمع الناس إلى دعائه فيحصل في هذا شر على المسئول .
وعلى كل حال فإن هذا القسم الثالث مختلف فيه فمن العلماء من قال: لا بأس أن تقول للرجل الصالح يا فلان ادع الله لي ومنهم من قال لا ينبغي والأحسن ألا تقول ذلك لأنه ربما يمن عليك بهذا وربما تذل أمامه بسؤالك ثم إنه من الذي يحول بينك وبين ربك ادع الله بنفسك لا أحد يحول بينك وبين الله لماذا تذهب تفتقر إلى غيرك وتقول: ادع الله لي وأنت ليس بينك وبين ربك واسطة ؟
قال الله تعالى: { وقال ربكم ادعوني استجب لكم }وقال: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان }
شرح رياض الصالحين المجلد الثالث (من شرح الحديث 717)
قال أبومقبل غفرالله له:
قد قرر جواز طلب المسلم الدعاء من أخيه المسلم كثير من أهل العلم ، حتى نقل الإمام النووي رحمه الله الإجماع عليه .
حيث يقول رحمه الله :
" باب استحباب طلب الدعاء من أهل الفضل ، وإن كان الطالب أفضل من المطلوب منه ، والدعاء في المواضع الشريفة ، اعلم أن الأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصر ، وهو أمر مجمع عليه " انتهى باختصار من " الأذكار " (ص/643)
كما يقرر حكم الجواز أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيقول :
" طلب الدعاء مشروع من كل مؤمن لكل مؤمن...فلهذا كان طلب الدعاء جائزا كما يطلب منه الإعانة بما يقدر عليه والأفعال التي يقدر عليها " انتهى باختصار من " مجموع الفتاوى " (1/326-329)
ويقول أيضا :
" ويشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه وممن هو دونه " انتهى من " مجموع الفتاوى " (27/69)
وقال ابن رجب رحمه الله :
" ينبغي للمنقطعين طلب الدعاء من الواصلين لتحصل المشاركة " انتهى من " لطائف المعارف " (ص/237)
ويقول الصاوي المالكي رحمه الله :
" يندب للعائد طلب الدعاء منه - أي من المريض - " انتهى من " حاشية الصاوي على الشرح الصغير " (4/763)
ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله :
" طلب الدعاء من الأخ في الله أو الأخت في الله لا حرج فيه " انتهى باختصار من " فتاوى نور على الدرب " (2/143) جمع الشويعر .
تنبيه:
لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله زاد على ذلك قيدا خاصا ، فقال : إن طلب الدعاء جائز ولكنه خلاف الأولى والأفضل بالمسلم ، إذ الأولى أن يتوجه إلى الله مباشرة ، ولا يتعرض لسؤال المخلوقين بأدنى شيء ولو بالدعاء ، واستدل على ذلك بأدلة :
1- عموم الأدلة التي تنفر من سؤال الخلق ، وتدعو إلى الاستغناء بالله عز وجل ، فالمسألة مهما صغرت فيها نوع ذل ، والمسلم لا يتذلل إلا لله تعالى .
2- يخشى أن يكون سؤال الدعاء من الناس سببا لاتخاذ الوسائط بين الخالق والمخلوق ، وأساس عقيدة التوحيد يقوم على نفي الوسائط والشفعاء ، والتعلق برب الأسباب سبحانه وتعالى .
ولكنه رحمه الله استثنى ما إذا كان طالب الدعاء قد قصد بطلبه الدعاء من غيره أن ينتفع ذلك المطلوب منه بتأمين الملائكة على دعائه ، فيتحقق لطالب الدعاء حينئذ فضل الدعاء أولا ، وأجر نفع المطلوب منه بتأمين الملائكة ودعائها له ثانيا .
ينظر : " مجموع الفتاوى " (1/181-193) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (24/261) :
"طلب الدعاء وطلب الرقية مباحان، وتركهما والاستغناء عن الناس وقيامه بهما لنفسه أحسن".
لكن مع ذلك : ينبغي ألا يكون ذلك عادة ، بحيث كلما لاقى المرء صاحبه سأله الدعاء ، فكثير ممن يفعل ذلك صار الأمر له عادة ، لا يريد بالأمر حقيقته ، وربما رأى المسؤول في نفسه استحقاقا لذلك ، أو لم يكن هو أهلا أن يُسأل مثل ذلك ، ونحو ذلك مما ينبغي الانتباه له .
تنبيه آخر:
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه (الحكم الجديرة بالإذاعة)، قال: "وقد كان عمر وغيره من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، يكرهون أن يطلب منهم الدعاء، ويقولون: أأنبياء نحن؟ فدل على أن هذه المنزلة لا تطلب إلا من الأنبياء"، فأنت كلما رأيت أخاك تقول له: "ادع لي"، "ادع لي"، هذا ليس بحسن، وأخرج ابن جرير عن سعد بن أبي وقاص أنه لما قدم الشام أتاه رجل فقال له: "استغفر لي"، وكان سعد مجاب الدعوة، فقال له سعد: "غفر الله لك"، ثم أتاه آخر، فقال: "استغفر لي"، فقال له: "لا غفر الله لك، ولا غفر الله لذاك، أنبي أنا؟"، فلما خرجت فلتة من ذاك الرجل قال: "غفر الله لك"، ولما تزاحم عليه الناس قال: "لا غفر لله لك ولا غفر الله لذاك، أنبي أنا؟" ففهم سعد، كما قال الشاطبي في (الاعتصام) قال: "فهم سعد من هذا الرجل أمراً زائداً وهو أن يعتقد فيه أنه مثل النبي، أو أنه وسيلة إلى أن يعتقد فيه مثل ذلك، أو يعتقد أن طلب الدعاء سنة تلزم، أو تجري في الناس مجرى السنن اللازمة فمنع سعد ذلك"، ففي مثل هذه الصورة لا يجوز طلب الدعاء، أما من غير هذه الأمور فلا أرى فيها حرجاً.
وأخرج ابن جرير عن زيد بن وهب، أن رجلاً قال لحذيفة: "استغفر لي"، فقال له حذيفة: "لا غفر الله لك"، ثم قال حذيفة: "هذا يذهب إلى نساءه فيقول: استغفر لي حذيفة أترضين أن يدعو الله أن يجعلك مثل حذيفة؟"، فكره حذيفة أن يشتهر هذا الأمر، وأن يعتقد في حذيفة ما لا يدعيه، وقد أسند ابن جرير عن إبراهيم التمعي، قال: "كانوا يجتمعون فيتذاكرون فلا يقول بعضهم لبعض استغفر لي" أي الصحابة، وأسند الخطيب في كتاب (التلخيص) عن عبيد الله بن أبي صالح قال: "دخل عليّ طاووس يعودني، فقلت له يا أبا عبد الرحمن ادع الله لي" فقال: "ادع لنفسك فإن الله عز وجل يجيب المضطر إذا دعاه"، فأن يترك الإنسان الدعاء لنفسه، ويطلب من غيره وأن يجري هذا الطلب مجرى السنن اللازمة، ويعتقد فيمن يطلب منه الدعاء اعتقاداً زائداً، فهذه كلها عوارض ولوازم، تجعلنا نقول: إن هذا الطلب على هذا الحال وهذه المواصفات ممنوع.
الخلاصة من المسألة
أنه متى احتاج المسلم الدعاء من أخيه المسلم جاز ذلك ، والاكثار منه لم يكن معهوداً عند السلف والله الموفق
جمعه أخوكم : يونس العدني أبومقبل في مكة ١٤٣٨/٥/٢٧