"الرِّفق رأس الحكمة"
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن أهتدى بهداه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا
أما بعد
خاطب الله سبحانه نبيه الاَكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً :
( فَبِما رَحمةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهم ولَو كُنتَ فَظَّاً غَليظَ القلب لانفضُّوا مِن حَولِكَ فاعفُ عَنهُم واستَغفِر لَهم وشَاوِرهُم في الاَمرِ فإذا عَزَمتَ فَتَوكَّل على اللهِ )
فمن يستعن بالرفق في أمره يستخرج الحية من وكرها
ورافق الرفق في كل الأمور فلم يندم رفيقٌ ولم يذممه انسانُ
ولا يغرنّك حظٌّ جره خُرقٌ فالخُرقُ هدمٌ ورفق المرء بنيانُ
الرفق وإحسان الظن من الأخلاق الحميدة وبالأخص لمن هو محب للخير وهو مراده وظاهره لا يوحي لنا بذلك فالدين النصيحة وإن حققت التثبت ممن علمت عنهم مخالفات وإحسان الظن بهم من باب أولى قبل البيان والنصح برفق ولين فلعلهم أرادوا الخير ولكن ما بلغوه لأمر بلغك وما بلغهم فكم من مريد للخير لم يدركه والكمال لله وحده وأكثر ما يفتقده الكثير من عباد الله نصح المخطيء سرا لا مجاهرتا (( فما هكذا تورد يا سعد الإبل)) ومن كان مراده الخير حقا يجتهد في هذا الخير إلى أن يبلغ مسعاه وما التوفيق إلا من عند الله ثم قل قولا لينا فسبحان الله حتى بعد إستكبار وعتو فرعون قال الله عز وجل لموسى وأخاه هارون عليهم السلام فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى
وبما أننا نسعى بإذن الله للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى فلا نعاتب ونجرح ونفضح قبل أن ننصح وأعلموا أنه أكثر الناس لا يقبلون النصح بالصفع المجاهر دون إحسان وقول لين ورفق فإلى كل ناصح مرشد مشفق نقول رفقاً بالمنصوحين وقولا ليناً فإن في ذلك مدعاة لقبول نصحك الطيب والاهتمام به فالمتأني الذي يأتي الأمور برفق وسكينة إتباعاً واقتداءآ بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعندها بإذن الله تعالى تتيسر له الأمور الصعاب والرفق ما كان في شيء إلا زانه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -:
(إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه (حسنه وجمله) ولا ينزع من شيء إلا شانه (عابه) رواه مسلم ..
فلا بد أن نسعى في الوصول إلى إرشاده بالبيان له والتوضيح لخطأه إن أخطأ ولا ننفي الحكم على من لا نعرفه بظاهر ما عنده ولكن نوصي بالرفق بالناس فالمسلم لا يعامل الناس بشدة أو عنف أو جفاء وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم
أبعد ما يكون عن الغلظة والشدة
قال تعالى (لَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)
آل عمران
فيا أخي الكريم إتق الله وأحذر أن تقع في الظلم فالظلم ظلمات يوم القيامة فكم من مريد للخير لم يدركه لعجلته في حكمه على عباد الله ممن حكمنا على ظاهره أنه يسعى للولوج إلى كذا وكذا وكذا سواء كان مسعاه الرياء أوالسمعة أوالشهرة أو أو أو إلخ
ثم بعد ذلك ظهر لنا أن المنصوح يجهل ما يفعل ومسعاه غير ما نسبناه إليه فالبعض قد يكن مراده النفع والخير ولكنه يجهل وقوعه فيما هو مخالف فيه شرعا ولا ينبغي له فعله أدبا ..
فالنصح النصح والمسلم لا يُعير الناس بما فيهم من عيوب أو ينشر ما عليهم من أخطاء
بل ينصح ويرفق بهم في نصحه ويصبر ويحتسب كل ذلك لله سبحانه تعالى ..
حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم
على الرفق في الحديث الصحيح
(إن الله رفيق يحب الرفق وإن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :-
(ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار تحرم النار على كل قريب هين لين سهل)
رواه الترمذي وأحمد
ورُوِي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :-
(لا تُظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك
(أي يصيبك بمثل ما أصابه)
رواه الترمذي
وأنقل إليكم مقتطف
من شرح
الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى ..
عن حديث النبي عليه الصلاة والسلام إذ ⬇⬇
قال صلى الله عليه وسلم :
(( الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )) ..
... " ؛؛هذا حديث عظيم رواه مسلم في الصحيح من حديث تميم الداري وله شواهد عند غير مسلم؛؛ " ...
وهذا الحديث العظيم يدل على أن الدين هو النصيحة وذلك يدل على عظم شأنها لأنه جعلها الدين وهذا الحديث يدل على أن النصيحة هي الدين وهي الإخلاص في الشيء والصدق فيه حتى يؤدى كما أوجب الله، فالدين النصيحة في جميع ما أوجب الله وفي ترك ما حرم الله وهذا يعم حق الله وحق الرسول وحق القرآن وحق الأئمة وحق العامة..
____________
وأيضا لا نسأل عن عمل إخواننا السيء والحسن فهذا يعد من التجسس كما قال الحسن البصري رحمه الله فقد نكون نحن أحوج للنصح من غيرنا يا عباد الله لرؤيتنا لأخطاء إخواننا والإشادة بها دون التنبيه والنصح
فإن لم تستطع النصح فلا تفضح
وإن عجزت عن التثبت من حال فلان ولأجل ماذا يصنع كذا فلا تفضح
أو بما تنشر عن ذا وذاك معاتبا تجرح فلما
لا تأمر غيرك بإرشادهم لكي تربح لعله ينفع الله به وتكن أنت دالا على خير أصاب أناسا ونفع الله بهم من بعدك ثم إن رأيت منكرا من أخيك لما لا تنهاه عن ذلك دون نصح في ملأ وفضح في مقال أو منشورا أو أو أو إلخ فنهيك أخيك عن المنكر واجب منك لكن بعد بيان ونصح وإن رأيت منه عنادا وإدبارا وتجاهلا وإعتراضا لنصحك وإرشادك وبيانك له فعندها أحكم عليه بما جائك منه لا بعقلك بل بما جاء به الشرع الحكيم وفقا للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة أما إجتهادك وإخلاصك بحسب مقدرورك ورغبتك وإصرارك وعزيمتك وهمتك في فعل الخير والدعوة إلى الله عز وجل ..
نسأل الله الإخلاص قولا وعملا
أعان الله الجميع في طاعته وتقواه والدعوة إليه بما يحب ويرضى سبحانه وتعالى ..
ومما صح في السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في شأن الدعوة وفضلها قوله عليه الصلاة والسلام لما بعث عليًّا رضي الله عنه إلى خيبر قال :-
" ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه "
" فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم "
" متفق عليه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه " .
ولا نقول يا أخي توسع في نصحك أو أطل أو أسترسل فيه
بل بدون إطالة وتكلف وضياع وقت فقط بنشرك الكلمة الطيبة برفق ولين مع صبر منك وتفاءل بوجه طليق
لا بوجه عبوس وبصدر رحب
فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها أئتلف وما تناكر منها أختلف ولكن بالرفق واللين تتيسر الأمور الصعاب بإذن الله تعالى
عن عروة بن الزبير قال -:
( كان يقال : الرِّفق رأس الحكمة )
[1487] رواه ابن أبي شيبة (5/209) (25308)، ووكيع في ((الزهد)) (ص 776)، وأحمد في ((الزهد)) (ص 44)، وهناد في ((الزهد)) (2/653) ..
وعن قيس بن أبي حازم قال
كان يقال :
(الرِّفق يمن، والخرق شؤم) ..
[1490] ((الزهد)) لهناد بن السري (2/654) ..
وعن حبيب بن حجر القيسيِّ قال :
(كان يقال :
ما أحسن الإيمان يزينه العلم،
وما أحسن العلم يزينه العمل،
وما أحسن العمل يزينه الرِّفق) ..
[1491] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/396) ..
وقال ابن القيم رحمه الله :
(من رَفَقَ بعبادِ الله رَفَقَ الله به ، ومن رحمهم رحمه ، ومن أحسن إليهم أحسن إليه ،ومن جاد عليهم جاد الله عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفةٍ عامله الله بتلك الصِّفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه) ..
[1492] ((الوابل الصيب)) لابن القيم (ص 35) ..
وقال ابن حجر رحمه الله :
( لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرِّفق، إلا عجز وانقطع فيغلب ) ..
[1493] ((فتح الباري))
لابن حجر (1/94) ..
- وقال أبو حاتم رحمه الله :
(الواجب على العاقل لزوم الرِّفق في الأمور كلها، وترك العجلة والخفَّة فيها، إذ الله تعالى يحب الرِّفق في الأمور كلها، ومن منع الرِّفق منع الخير ،كما أنَّ من أعطي الرِّفق أعطي الخير، ولا يكاد المرء يتمكن من بغيته في سلوك قصده في شيء من الأشياء على حسب الذي يحب، إلا بمقارنة الرِّفق ومفارقة العجلة ) ..
[1494] ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 215) ..
وهكذا تكن قد أديت ما عليك إتجاه إخوانك المسلمين وأصبر وأحتسب أمرك لله عز وجل ..
وهكذا تكن قد أديت ما عليك إتجاه إخوانك المسلمين وأصبر وأحتسب أمرك لله عز وجل ..
قال تعالى – ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُم لِلَّذِينَ أَحسَنُوا في هَذِهِ الدُّنيَا حَسَنَةٌ وَأَرضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفىَّ الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ ﴾.
وقال تعالى :
وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
... والحمد لله على كل حال ...
كتبها أخوكم/
✍ أبويحيى المنصوري ..
0 التعليقات:
إرسال تعليق