لقرعة أمر مشروع لأبي مقبل يونس العدني
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أمابعد:
قاعدة: { القُرعَة في الشريعة}
التعريف
1 - القرعة في اللّغة: السّهمة والنصيب، والمقارعة: المساهمة، وأقرعت بين الشّركاء في شيء يقسمونه، ويقال: كانت له القرعة، إذا قرع أصحابه، وقارعه فقرعه يقرعه: أي أصابته القرعة دونه، وتستعمل في معان أخرى غير ما تقدم.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ، قال البركتيّ: القرعة السهم والنصيب، وإلقاء القرعة: حيلة يتعين بها سهم الإنسان أي نصيبه.
الألفاظ ذات الصّلة
القسمة:
2 - القسمة في اللّغة من قسمته قسماً أي فرزته أجزاءً.
واصطلاحاً: تمييز الحصص بعضها من بعض.
والصّلة بين القسمة والقرعة أن القرعة طريق من طرق القسمة، والقرعة نوع من أنواع القسمة عند المالكية.
{حكمه في الشرع}
3 - القرعة مشروعة باتّفاق الفقهاء، وقد تكون مباحةً أو مندوبةً أو واجبةً أو مكروهةً أو محرمةً في أحوال
ودليل مشروعيتها الكتاب والسّنة.
فأما مشروعيتها من القرآن الكريم فقوله تعالى {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}، أي يحضنها فاقترعوا عليها. وقال تعالى {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ}.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله{فَسَاهَمَ} يقول: "أقرع ".
وأما مشروعيتها من السّنة المطهرة فحديث أبي هريرة رضي الله عنه: «عرض النبيّ صلى الله عليه وسلم على قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيّهم يحلف».
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه».
الحكمة من مشروعيتها
4 - قال المرغينانيّ: القرعة لتطييب القلوب وإزاحة تهمة الميل حتى لو عين القاضي لكلّ منهم نصيباً من غير إقراع جاز لأنه في القضاء فيملك الإلزام.
وجاء في تكملة فتح القدير: "ألا يرى أن يونس عليه السلام في مثل هذا استعمل القرعة مع أصحاب السفينة كما قال الله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ}، وذلك لأنه علم أنه هو المقصود ولكن لو ألقى بنفسه في الماء ربما نُسب إلى ما لا يليق بالأنبياء فاستعمل القرعة لذلك، وكذلك زكريا عليه السلام استعمل القرعة مع الأحبار في ضمّ مريم إلى نفسه مع علمه بكونه أحق بها منهم لكون خالتها عنده تطييباً لقلوبهم كما قال تعالى: {إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقرع بين نسائه إذا أراد سفراً تطييباً لقلوبهن».
{كيفية إجراء القرعة}
5 - للقرعة عند الفقهاء طريقتان:
الأولى: كتابة أسماء الشّركاء في رقاع.
والثانية: كتابة أجزاء المقسوم في رقاع، وقد شرط المالكية لإجراء الطريقة الثانية أن تكون الأنصباء متساويةً فإن اختلفت فتجوز في العروض خاصةً.
وقد أجاز كلّ من الشافعية والحنابلة إجراءها في الصّورتين إلا أن طريقة كتابة الأسماء أولى عند الشافعية.
{ما تجري فيه القرعة}
6 - تجري القرعة في مواضع منها:
الأول: في تمييز المستحقّ إذا ثبت الاستحقاق ابتداءً لمبهم غير معين عند تساوي المستحقّين، كمن أوصى بعتق عدة أعبد من ماله ولم يسع ثلثه عتق جميعهم، وفي الحاضنات إذا كن في درجة واحدة، وكذا في ابتداء القسم بين الزوجات عند من يقول به لاستوائهن في الحقّ فوجبت القرعة لأنها مرجّحة.
الثاني: في تمييز المستحقّ المعين في نفس الأمر عند اشتباهه والعجز عن الاطّلاع عليه، سواء في ذلك الأموال والأبضاع عند من يقول بجريان القرعة في الأبضاع.
الثالث: في تمييز الأملاك.
وقيل: إنه لم يأت إلا في ثلاث صور:
أحدها: الإقراع بين العبيد إذا لم يف الثّلث بهم.
وثانيها: الإقراع بين الشّركاء عند تعديل السّهام في القسمة.
وثالثها: عند تعارض البيّنتين عند من يقول بذلك.
الرابع: في حقوق الاختصاصات كالتزاحم على الصفّ الأول، وفي إحياء الموات.
الخامس: في حقوق الولايات كما إذا تنازع الإمامة العظمى اثنان وتكافآ في صفات الترجيح قدّم أحدهما بالقرعة، وكاجتماع الأولياء في النّكاح، والورثة في استيفاء القصاص فتجري بينهم القرعة لترجيح أحدهم.
{ما لا تجري فيه القرعة}
7 - إذا تعينت المصلحة أو الحقّ في جهة فلا يجوز الإقراع بينه وبين غيره; لأن القرعة ضياع ذلك الحقّ المعين والمصلحة المتعيّنة، وعلى ذلك فلا تجري القرعة فيما يكال أو يوزن واتفقت صفته، وإنما يقسم كيلاً أو وزناً لا قرعةً; لأنه إذا كيل أو وزن فقد استغنى عن القرعة فلا وجه لدخولها فيهما، وهذا ما ذهب إليه المالكية، خلافاً للشافعية والحنابلة.
ومما لا تجري فيه القرعة الأبضاع عند الشافعية وقول عند الحنابلة، ولا في لحاق النسب عند الاشتباه عند الحنفية والمالكية والشافعية والظاهر من مذهب الحنابلة، ولا في تعيين الواجب المبهم من العبادات ونحوها ابتداءً عند الشافعية والحنابلة، ولا في الطلاق عند الشافعية.
إجبار الشّركاء على قسمة القرعة
8 - ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن القسمة إذا تمت عن طريق قاسم من قبل القاضي بالقرعة كانت ملزمةً وليس لبعضهم الإباء بعد خروج بعض السّهام.
وعند الحنابلة وهو مقابل الأظهر عند الشافعية أنه إن كان القاسم مختاراً من جهتهم، فإن كان عدلاً كان كقاسم الحاكم في لزوم قسمته بالقرعة، وإن لم يكن عدلاً لم تلزم قسمته إلا بتراضيهما، والأظهر عند الشافعية أنه يشترط رضا المتقاسمين بعد خروج القرعة في حالة ما إذا كان القاسم مختاراً من قبلهما وهو المعتمد.
وذهب المالكية إلى أن قسمة القرعة يجبر عليها كلّ من الشّركاء الآبين إذا طلبها البعض إن انتفع كلّ من الآبين وغيرهم انتفاعاً تامّاً عرفاً بما يراد له كبيت السّكنى، ومفهوم الشرط أنه إذا لم ينتفع كلّ انتفاعاً تامّاً لا يجبر.
{القرعة في معرفة الأحقّ بغسل الميّت}
9 - ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الأحق في غسل الميّت أقاربه، فإن استووا كالإخوة والأعمام المستوين والزوجات ولا مرجّح بينهم فالتقديم بقرعة، فمن خرجت له القرعة قدّم لعدم المرجّح سواها.
{القرعة في تقديم الأحقّ بالإمامة في الصلوات وصلاة الجنازة}
10 - ذهب الفقهاء إلى أنه إذا استوى اثنان فأكثر في الصّفات التي يقدم بها للإمامة أقرع بينهم عند التنازع.
{القرعة بين الزوجات في السفر}
11 - ذهب الحنفية والمالكية في قول إلى أنه إذا أراد الزوج السفر فله اختيار من يشاء من زوجاته، ولا تجب عليه القرعة إلا أن الحنفية استحبّوا القرعة تطييباً لقلوبهن.
وأوجب المالكية القرعة بين الزوجات في سفر القربة كالغزو والحجّ في المشهور عندهم; لأن المشاحة تعظم في سفر القربة.
وفي قول آخر عند المالكية أن القرعة تجب مطلقاً.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن القرعة في السفر بين الزوجات واجبة سواء أكان السفر طويلاً أم قصيراً، وفي قول للشافعية إذا كان السفر قصيراً فلا تجب ولا يستصحب لأنه كالإقامة. وللتفصيل انظر مصطلح (قسم بين الزوجات).
وقال الشافعية: إن الزوج إذا سافر لنقلة حرم أن يستصحب بعض زوجاته بقرعة أو بدونها وأن يخلفهن حذراً من الإضرار بهن، بل ينقلهن أو يطلّقهن.
{القرعة بين الزوجات في ابتداء المبيت}
12 - ذهب الشافعية والحنابلة والمالكية في قول إلى وجوب القرعة بين الزوجات في ابتداء المبيت; لأن البداءة بإحداهن تفضيل لها والتسوية واجبة.
وذهب ابن المواز من المالكية إلى استحباب القرعة بينهن في الابتداء.
وأما الحنفية ومالك فلا يرون القرعة، وللزوج أن يختار من يبتدئ بها.
وبالله التوفيق
لخصه من كتب أهل العلم ومصادره:
يونس بن سعيد أبومقبل العدني
0 التعليقات:
إرسال تعليق