الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.
أمابعد :
فهذا الدرس الأول .
من أحكام صلاة الكسوف
ويشتمل هذاالبحث على عدة مسائل .
الأولى :حكم صلاة الكسوف والخسوف.
تعريف الكسوف لغة:هوالتغير إلى السواد.
والخسوف لغة:هو الذهاب والنقصان.
يقال:كسفت الشمس وخسفت ، وقيل:الكسوف للشمس والخسوف
للقمر، وهوالأشهر في اللغة
أنظرالصحاح للجوهري (1350-1349/4) والنهاية (174/4)
وفي الحديث ((كسفت الشمس وخسفت))
و ((كسف القمروخسف))(جامع الأصول (164/6)
وفي الأصطلاح:هو انحجاب ضوء
الشمس أوالقمر كله أو بعضه بسبب
غير معتاد.
وصلاة الكسوف:صلاة تؤدى بكيفية
مخصوصة عندظلمة أحدالنيرين
أوبعضهما.
((سبب الكسوف ))
الكسوف له سببان ذكرهماابن القيم رحمه الله تعالى:
( 1) سبب شرعي
(2) سبب كوني
فالسبب الشرعي:هوتخويف الله
العبادلكي يرجعوا وينيبوا إلى الله
عزوجل.كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم. ففي الصحيح: (أن هذه
الآيات التي يرسل الله عزوجل لاتكون لموت أحدولالحياته ولكن
يخوف الله بهاعباده، فإذارأيتم شيئامن ذلك فافزعواإلى ذكراالله
ودعائه واستغفاره)) أخرجه الباخاري (1059) ومسلم (2114)
من حديث أبي موسى رضي الله عنه
وذكرابن المنير رحمه الله أن الكسوف بمثابة الإنذار بوقوع العقوبة من الله
عزوجل ، ولهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعدحصول الكسوف بالدعاء والصلاة والاستغفار والتوبة والعتق والرجوع
إلى الله تعالى.
والسبب الكوني:بالنسبة لكسوف الشمس هوحيلولة القمر بين الشمس وبين الأرض.
وسبب خسوف القمرهوحيلولة الأرض بين الشمس والقمر، لأن نور
القمرمستفادمن نورالشمس ،
وقدذكرالعلماءرحمهم الله أن القمر، كالمرآة والشمس كالقنديل،فالقمر
يأخذ نوره من الشمس ثم يعكسه
على الأرض فإذاحالت الأرض بين القنديل وبين المرآة لم يحصل
انعكاس لضوءالقمر.
أنظرمجموع الفتاوى (254-258/24) ومفتاح دارالسعادة
( 207-206/2 )
والذي ينبغي للمسلم أن يعمل بموجب السبب الشرعي،فيفزع إلى الصلاة ويتوب إلى الله ويخاف أسباب عقوبته،ويعمل أسباب دفع
العقوبات،مماوردالندب إليه في أحاديث الكسوف الآتية من الصلاة
والدعاء والعتق وغيرها.
ومعرفة الكسوف ليس من علم الغيب الذي استأثرالله عزوجل
بعلمه بل هومن العلم الحسي المدرك يعرفه الحساب، فكل من اطلع على شئ من علم الحساب والفلك فإنه يتمكن من معرفة الكسوف والخسوف عن طريق الحساب.
ونظرفقه النوازل في العبادات(130
أماحكمها فهي سنة مؤكده؛ يستحب للمسلم فعلهااستحبابا مؤكدا.
وقدحكي إجماع أهل العلم في ذلك
في الجملة،للأحاديث الكثيرة المتواترة التي تدل على الاستحباب
حكي في بداية المجتهد(188/4 )
وإكمال المعلم(330/3 )وشرح النووي لمسلم(198/6 )((الإجماع على سنية الصلاة عندكسوف الشمس
وحكى في المجموع(44/5 )الإجماع
على سنية صلاة الكسوف للشمس والقمر،وقال الإمام ابن تيمية كمافي
مجموع الفتاوى(258/24 ): ((الصلاة عندالكسوف متفق عليها
بين المسلمين ،وقدتواترت بهاالسنن
عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواهاأهل الصحيح والسنن والمسانيد من وجوه كثيرة ، واستفاض عنه أنه صلى بالمسلمين صلاة الكسوف يوم مات ابنه إبراهيم
والدليل على هذا ماجاء:
عن عائشة رضي الله عنها،أنهاقالت: ((خسفت الشمس في عهدرسول الله
صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس
فقام فأطال القيام،ثم ركع فأطال الركوع،ثم قام فأطال القيام-وهودون القيام الأول- ثم ركع فأطال الركوع- وهودون الركوع الأول- ،ثم سجد فأطال السجود،ثم فعل في الركعة الثانية مثل مافعل في الأولى،ثم انصرف وقدانجلت الشمس،فخطب
الناس،فحمدالله وأثنى عليه،ثم قال: إن الشمس والقمرآيتان من آيات الله، لاينخسفان لموت احد ولا لحياته ، فإذارأيتم ذلك،فادعواالله،وكبروا، وصلوا،وتصدقوا،ثم قال:ياأمة محمد
والله مامن أحدأغيرمن الله أن يزني
عبده أوتزني أمته ،ياأمة محمد لو تعلمون ماأعلم ،لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا )) البخاري(1044 )ومسلم ((901 ))
ووجه الدلالة من الحديث على سنية الصلاة، أن الأمربالصلاة جاءمقرونا
بالامربالتكبيروالدعاءوالصدقة ، ولاقائل بوجوب الصدقة والتكبير والدعاءعندالكسوف،فالأمرفيها للأستحباب إجماعا،فكذا الأمربالصلاة
المقترن بها.
أنظرحول دلالة الاقتران متى تظهر قوتها،ومتى يظهرضعفها،ومتى يتساوى الأمران:(بدائع الفوائد )(184-183/4 )
المسألة الثانية: لاأذان ولاإقامة لصلاة الكسوف:
اتفق العلماء على أنه لايوأذن لصلاة
الكسوف ولايقام،وقدحكي الإجماع لعدم وروده في السنة.
قال في تسهيل الفقه(56/2 ) لايشرع الاذان والإقامة للعيد، ولا للاستسقاء،ولاللجنازة، ولاللكسوف، ولاللتراويح،لأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يصلي هذه الصلوات ، بلااذان ولاإقامة، فلايشرع لجميع هذه الصلوات أذان ولاإقامة، وهذا مجمع عليه كمالايشرع الأذان والإقامة لجميع النوافل إجماعا.
قال مالك((وتلك السنة التي لاخلاف فيهاعندنا )) الموطا(177/1 )
وأنظرالتمهيد(108/8 )والمحلى(140/3 )الشرح الكبيرلابن قدامة (46/3 ) والمجموع(77/3) وينظر كلام ابن بطال الآتي.
ويستحب أن ينادى لها ب:(الصلاة جامعة )وهذامجمع عليه لمارواه البخاري ومسلم عبدالله بن عمرو- رضي لله عنهما-قال:(لماكسفت الشمس على عهدرسول الله صلى الله عليه وسلم، نودي:ان الصلاة جامعة )
البخاري(1045 )ومسلم(910 )
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (34/3 )((صلاة الكسوف لا
أذان لها ولاإقامة ،وإنماينادى لها: الصلاة جامعة عندباب المسجد ولا خلاف في ذلك بين العلماء ))
المسألة الثالثة:عددركعات صلاة الكسوف:
تصلى صلاة الكسوف ركعتين ، ((بركوعين في كل ركعة ))ةالدليل على ذلك ماتقدم في حديث عائشة
وكذلك ماجاء عن عبدالله بن عباس
قال:((انخسفت الشمس على عهدرسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقام قياماطويلانحوامن قراءة سورة
البقرة،ثم ركع ركوعاطويلا،ثم رفع فقام قياماطويلا-وهودون القيام الأول-ثم ركع ركوعاطويلا-وهودون الركوع الأول -،ثم سجد،ثم قام قياماطويلا-وهودودن القيام الأول -ثم ركع ركوعاطويلا-وهودون الركوع الأول ثم سجد،ثم انصرف وقد تجلت الشمس،فقال،صلى عليه وسلم
إن الشمس والقمرآيتان من آيات الله،
لايخسفان لموت أحدولا لحياته،فإذا
رأيتم ذلك فاذكرواالله.
قالوا:يارسول الله رأيناك تناولت شيئا
في مقامك،ثم رأيناك كعكعت؟قال: صلى الله عليه وسلم:اني رأيت الجنة
فتناولت عنقودا،ولوأصبته،لأكلتم منه
مابقيت الدنيا.ورأيت النار،فلم ار منظرا كاليوم قط أفطع،ورأيت أكثرأهلهاالنساء.قالوا:بما يارسول الله؟
قال:بكفرهن .قيل:يكفرن بالله؟قال:يكفرن العشير،ويكفرن الإحسان،
لوأحسنت إلى إحداهن الدهركله،ثم
رأت منك شيئا،قالت:مارأيت منك خيراقط ))الباخاري(1052 )ومسلم (907 )
فائدة:في حديث عائشة وابن عباس
دلالة على استحباب الخطبة في الكسوف بعدالصلاة. بوب البخاري في كتاب الكسوف
((باب خطبة الإمام في الكسوف. وقالت عائشة وأسماء:خطب النبي صلى الله عليه وسلم ،ثم ساق حديث
عائشة السابق. نظرالفتح(533-534/2 )
فائدة قال: الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (184/5 )قوله:((ثم يركع طويلا ))أي:من غيرتقدير،المهم أن يكون طويلا.وقال بعض العلماء:يكون
بقدنصف قراءته أي الركوع نصف القيام،ولكن الصحيح :أنه بدون تقدير،فيطيل بقدالإمكان ))
قال: أيضافي الممتع(185/4 ) ((لكن هل هي دون الأولى بكثير أوبقليل؟
الجواب:جاءفي الحديث(دون الأولى
فينظرإلى هذاالدون .والظاهر:أنه ليس دونهابكثير،لكنه دون يتميز به القيام الأول عن القيام الثاني ))
قال: أيضافي الممتع(185/5 )قوله ((ثم يركع فيطيل ،وهودون الأول ))
،نقول هنا في قول((دون الأول )) كماقلنافي القرأة .
تم بحمدلله
في الثامن عشر من محرم لعام 1438هجري
المدينة النبوية حرسها الله
كتبه
عبدالله الريني
0 التعليقات:
إرسال تعليق