بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العلمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى
آله وصحبه أجمعين.
أمابعد :فهذاالدرس يتعلق بتحية المسجد،وفيه مسائل.
المسألة الأولى : حكمها.
يجب على المسلم إذادخل المسجد وأرادالجلوس فيه أن يصلي ركعتين
ومن الأدل على وجوب تحية المسجدأحاديث، منها:
(1)حديث أبي قتادة السلمي،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال: ((إذادخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس))
أخرجه البخاري(444)واللفظ له، وأخرجه مسلم(714)
(2)وفي رواية:((إذادخل أحدكم المسجد،فلايجلس حتى يصلي ركعتين)) هذه الرواية عندالبخاري(1163)
(3)عن جابربن عبدالله قال:جاءسليك
الغطفاني يوم الجمعة،ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب،فجلس،
فقال له :((ياسليك قم فاركع ركعتين
وتجوزفيهماثم قال:إذاجاءأحدكم يوم
الجمعة،والإمام يخطب،فليركع ركعتين،وليتجوز فيهما))
أخرجه البخاري(930)في كتاب الجمعة( باب إذا رأى الإمام رجلاجاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين)
ومسلم(875)في كتاب الجمعة، (باب التحية والإمام يخطب)
(4)((عن جابربن عبدالله قال:كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين
فقضاني وزادني،ودخلت عليه المسجدفقال لي:صل ركعتين))
قال المناوي في فيض القدير (337/1)(إذادخل أحدكم المسجدفلا
بجلس)ندبامؤكدا إذاكان متطهرا أو تطهر عن قرب(حتى يصلي)فيه (ركعتين)تحية المسجد، والصارف عن الوجوب:خبر:هل علي غيرها؟قال:
(لا إلا أن تطوع)
هكذاقال: رحمه الله، وبهذاأستدل من ذهب من العلماء إلى أنها سنة مأكده
بهذاالحديث.
والحديث ليس فيه مايدل على أن غير الصلوات الخمسه حكمهاغير واجب (بل يكون مستحب ) لا الأمر ليس كذلك بماأن الصلوات الواجبة بحق الإسلام هي:الصلوات الخمس في اليوم والليلة.
وبماأن التطوع هومازادعلى الفرض ،
سواءكان واجباأم لم يكن.
فإن صلوات التطوع،هي:الصلوات الزائدة على الفروض الخمسة سواء
كانت هذه الصلوات واجبة أم لا.
فكل صلاة مشروعة في الإسلام زيادة على الفروض الخمسة الواجبة بحق الإسلام في اليوم والليلة يشملهااسم:((صلوات التطوع))
وهذالايعارض كون بعض الصلوات غيرالفروض الخمسة لهاحكم الوجوب،مع كونهاداخلة في( صلوات التطوع)لان وجوبهاليس بذاتها وإنما
لأمر حف بها ولايترتب لهامن الأحكام
مايترتب للفروض الخمسة،من استقرار وجوبهاالعيني على كل مسلم
ومسلمة،حضراوسفرا،لأن وجوب هذه
الصلوات الخمس إنماهوبحق الإسلام
أماغيرهامن الصلوات-إذاوجبت-فإن
وجوبهابأسباب مختلفة،كدخول المسجد وإرادة الجلوس فيه،فإنه سبب لوجوب تحية المسجد،ووجوب
الوفاءبالنذورسبب لوجوب الصلاة
المنذورة وهكذا
وبهذاالتقريرتعلم أن من يستدل بحديث طلحة بن عبيدالله قال:((جاء
رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد،ثائر الرأس، يسمع
دوي صوته ولايفقه مايقول،حتى دنا، فإذاهويسأل عن الإسلام؟فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:خمس صلوات في اليوم والليلة.فقال:هل علي غيرها؟قال: لا، إلا أن تطوع...))
أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب الزكاة من الاسلام (46)وهوأيضابرقم
(1891/2678/6956)
إذابالتقريرالسابق تعلم أن من يستدل بهذاالحديث على عدم وجوب شيء
من الصلوات غيرالصلوات الخمس لم
يصب وأن الصواب مع من قال من العلماءبوجوب تحية المسجد.
وذلك لأن حديث الأعرابي إنماهوفي
تقريرالواجب بحق الإسلام،فلاينفي
الواجب بغيره،لأن وجوب غير الصلوات الخمس إنماهوبأسباب خاصة.
ويأكدهذاالمعنى أمور منها:
قوله في الحديث:(خمس صلوات في
اليوم والليلة)إذمعناه:(مفروض على المسلم في كل يوم وليلة خمس صلوات،لا زائد عليها،وهذالاينافي وجوب صلوات أخرى،كصلاة تحية المسجدمثلا،لأنهاليست من صلوات اليوم والليلة،بل هي ذات سبب داخلة في التطوع الذي قديلزمه المرءعلى نفسه،فيلزمه الله مالتزم)
أنظرالمختارمن كنوزالسنة(326)
ويأكدهذاقوله في تمام الحديث: (وصيام رمضان قال:وهل علي غيره؟
قال:لا،إلاأن تطوع).وذكرله الزكاة، فقال:هل علي غيره؟قال:(لا ،إلاأن تطوع)
ومعلوم اتفاق أهل العلم على وجوب
الصوم في الكفارات إذاتعين على المسلم، ومن بدل نسك الحج :(فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذارجعتم)وصوم النذر،وصوم
أولياءالميت:(من مات وعليه صوم صام عنه وليه...)متفق عليه انظرجامع الأصول(417/6)
وكذا أتفاقهم على الواجب في مال المسلم لاينحصرفي الزكاة فالنفقة على من تجب نفقته واجبة،ومايجب على العبدبسبب الكفارات وبسبب، الجنايات،وبسبب النذر...الخ
وقول من قال من الفقهاء:(ليس في المال حق سوى الزكاة)إنمايعني به: ليس في المال حق واجب بسبب المال سوى الزكاة، وإلا،ففيه واجبات
بغيرسبب المال،كماتقدم،وكوجوب أداء الديون،وحمل العاقلة،ووجوب الإعطاءفي النائبة،وغيرذلك.
انظرالإيمان لابن تيمية(299/298)
ويزيدهذاالمعنى وضوحاقول الأعرابي في آخرالحديث عندالبخاري
(1891)((والذي أكرمك بالحق،لا أزيد شيئا،ولاأنقص ممافرض الله علي شيئا.فقال:الرسول صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق-أو-دخل الجنة إن صدق))
وفي رواية:((والله،لاأزيدعلى هذاولا
أنقص.فقال رسول الله صلى عليه وسلم((أفلح إن صدق))
إذ ظاهره أنه يريد:لاأزيدعلى مافرض
علي بحق الإسلام،ولاأنقص شيئامما
فرض علي بحق الإسلام،فلاأزيدصلاة
في اليوم والليلة على الصلوات الخمس،ولاأصوم شهرا زيادة على رمضان .....وهكذا.
ويدل على أن المراد ذلك،أنه علق فلاحه على صدقه في عدم الزيادة وعدم النقص فكيف يصح أن يشهدله
الرسول صلى الله عليه وسلم بالفلاح
على عدم الزيادة على الخمس إذاكان
المراد زيادة التي ليست بواجبة؟
ولايقال: إنه أثبت له فلاحه إذاأتى بماعليه،وليس فيه أنه إذاأتى بزائد على ذلك لايكون مفلحا.
لايقال هذا،لأنه خلاف ظاهرالنص، خاصة مع قوله صلى الله عليه وسلم
((إن صدق))
ثم كيف يقره الرسول صلى الله عليه وسلم على الحلف ألايستكثرمن الخير.فيقول:((والله لاأزيد...))
وأنظرنيل الأوطار(84-83/3)
أيضاكتاب الإيمان لابن تيمية
(300/297)
المسألة الثانية:المسجدالذي تؤدى فيه تحية المسجد.
المسجدالذي تؤدى فيه تحية المسجدهوعموم المساجدالمبنية الموقوفة للصلاة فيها،لأنهاالتي ينطبق عليهااسم المسجدفي عرف الشرع.
لأن المسجدفي الشرع له معنى عام، وله معنى خاص،
فمعناه العام:كل موضع طاهرلم ينه عن الصلاة فيه.
والدليل على ذلك ماأخرجه البخاري
(335)ومسلم(521)
عن جابربن عبدالله،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أعطيت خمسا
لم يعطهن أحدقبلي:نصرت بالرعب مسيرة شهر،وجعلت لي الأرض مسجداوطهورا،فأيمارجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل،وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحدقبلي،وأعطيت الشفاعة،وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة))
وأنظرالأوسط(311-306/2)إعلام الساجدبأحكام المساجدللزركسي(27
ومعناه الخاص:المحل المبني الموقوف للصلاةفيه
فيشتطر لكون الموضع مسجدا:أن يكون مبنيا،لقوله تعالى:(في بيوت
أذن الله أن ترفع)والبيت لابدله من بناء،ولماثبت عن عروة،عن من حدثه
من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم -قال:كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يأمرناأن نصنع المساجد في دورنا،وأن نصلح صنعتهاونطهرها.
رواه أحمد(23146)بسندحسن،وله ساهدان عندأبي داودوغيره.وينظر المجمع(11/2)
والمرادبالدور:القبائل.
جاءفي رواية الترمدي(490/2)من طريق سفيان بن عيينة:وقال سفيان:
(قوله ببناءالمساجدفي الدور يعني
القبائل)
وكذاجاءفي رواية مصنف ابن أبي شيبة(7444)عن وكيع،قال:ثناهشام
بن عروة،عن أبيه،قال في آخرها: يعني القبائل
وفدأطال الإمام الطحاوي في مشكل
الآثار(242-240/7)في ذكر الأدلة على أن المراد الأحياء،واستدل بقوله
عزوجل(سأريكم دارالفاسقين) وبحديث:((إن خير دورالأنصارداربني
النجار،ثم دار بني عبدالأشهل،ثم دار بني الحارث،ثم داربني ساعدة وفي كل دور الأنصارخير))
كمايشترط لكونه مسجدا:أن يوقف لله- تعالى-(وأن المساجدلله)فمالم يوقف ليس خاصالعبادة الله-تعالى- فلمالكه أن يستعمله وأن يبيعه وأن يمنع الناس من الصلاة فيه.
قال البغوي في شرح السنة(400/2)
(في الحديث دليل على أن المكان لايصيرمسجدا بالتسمية حتى يسبله
صاحبه)
وينظرتفسيرالقرطبي للآية السابقة
ويدخل في ذلك مسجدالنبي صلى الله عليه وسلم،لماروى البخاري ومسلم عن جابربن عبدالله قال:كان لي على النبي صلى عليه وسلم دين فقضاني وزادني ،ودخلت عليه المسجدفقال لي:صل ركعتين،ولعموم
حديث أبي قتادة السابق.
وكذلك المسجدالحرام له تحيه وهي ركعتين كسائر المساجد وليس هناك مايخرج المسجدالحرام عن عموم حديث أبي قتادة السابق.
إن كان لايريدالطواف أوأداءنسك حج أوعمرة،كأن يريدالصلاة،أويريد قراءة القرآن،أوكان معتكفافيه أوغير ذلك،فإنه يجب عليه إذادخل في هذه
الأحوال أن يصلي ركعتين تحية المسجد لعموم الأحاديث السابقة.
إذاليست للمسجدالحرام تحية خاصة
تختلف عن سائرالمساجد.
نعم،الآفاقي إذادخل محرمافإن أول مايبدأ به الطواف،كمافعل الرسول صلى الله عليه وسلم في حجته.
وكمافعل الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
وهذامجمع عليه لمارواه البخاري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها:((أن أول شي بدأبه-حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم-أنه توضا،ثم طاف))ثم لم تكن عمرة،ثم حج أبوبكر،وعمر رضي الله عنهما:مثله،ثم
حججت مع أبي، الزبير رضي الله عنه
فأول شيء بدأبه الطواف،ثم رأيت المهاجرين والأنصاريفعلونه، وقدأخبرتني أمي:أنها أهلت هي،
وأختها،والزبير،وفلان وفلان،بعمرة فلمامسحوا الركن حلوا)
البخاري برقم(1614)
وأماالحديث المشهور على الألسنة:
((تحية البيت الطواف))لأصل له
كماقال العلامة الألباني رحمه الله،
وقدأورده في(السلسلة الضعيفة) حديث رقم(1012)وعلق عليه بقوله:
((ولاأعلم في السنة القولية أوالعملية
مايشهدلمعناه،بل إن عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس في
المسجدتشمل المسجدالحرام أيضا، والقول بأن تحيته الطواف مخالف للعموم المشارإليه،فلايقبل إلابعد
ثبوته،وهيهات،لاسيماوقدثبت بالتجربة أنه لايمكن للداخل إلى المسجدالحرام الطواف كلمادخل المسجدفي أيام الموسم،فالحمدلله الذي جعل في الأمرسعة(وماجعل عليكم في الدين من حرج)وإن مما ينبغي التنبيه له أن هذا الحكم إنما
هوبالنسبة لغيرالمحرم،وإلافالسنة في حقه أن يبدأبالطواف،ثم بالركعتين بعده)
تم بحمدلله
في 22 صفر/1438هجري
كتبه
أخوكم أبوالحارث
عبدالله الريني
المدينة النبوية حرسهاالله
0 التعليقات:
إرسال تعليق